بين الانهيار الاقتصادي وانتهاكات الحريات.. لماذا يطالب اليمنيون المجتمع الدولي بالتدخل العاجل؟

بين الانهيار الاقتصادي وانتهاكات الحريات.. لماذا يطالب اليمنيون المجتمع الدولي بالتدخل العاجل؟
أسرة نازحة في اليمن جراء الحرب

تتصاعد في المنابر الدولية دعوات الحكومة الشرعية في اليمن ليتحرك المجتمع الدولي بسرعة لدعم مسار الإصلاح الاقتصادي وحماية حقوق الإنسان، وسط اتهامات مباشرة لميليشيات الحوثي بمواصلة الانتهاكات التي تقوّض أية فرصة للتعافي. 

وقدم نائب وزير الشؤون القانونية وحقوق الإنسان محمد باسردة عرضاً أمام اجتماعات الدورة الستين لمجلس حقوق الإنسان في جنيف، دعا خلاله إلى توفير دعم فني، وبناء قدرات للحكومة، وتمكينها من استئناف صادرات النفط لتأمين الاحتياجات الأساسية، مع تأكيد أهمية استمرار عمل اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات الانتهاكات، وفق "webtv.un.org". 

الحجم الإنساني للأزمة يفرض منطق التحرك العاجل. تقديرات الأمم المتحدة للعون الإنساني تشير إلى أن نحو 19.5 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى مساعدات وحماية خلال 2025، أي نحو نصف سكان البلاد، في حين تتفاقم حالات انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية الحاد بين الأطفال، وتُظهر بيانات اليونيسف أن ملايين الأطفال يعانون من سوء تغذية حاد أو معرضون له، وأن أعداداً بالآلاف من الأطفال قد تواجه خطر الموت إن لم تصل برامج التغذية الطارئة وتمول بشكل ملائم، وهذه الصورة لا تُعزى فقط إلى سنوات الحرب الطويلة، بل أيضاً إلى انهيار مؤسسات الدولة وتعطل الأسواق والقدرة الشرائية للأسر. 

على المستوى الاقتصادي، تصف المؤسسات الدولية الوضع بأنه هشّ للغاية ويحتاج إلى إصلاحات هيكلية مدعومة دولياً، وتشير تقارير البنك الدولي إلى تجزئة اقتصادية حادة ووهن للإيرادات الناتجة عن عمليات تصدير النفط نتيجة سياسات وسيطرة مسلحة على الموانئ والطرق، ما أدّى إلى تقلّص الإيرادات الحكومية وعرّض القدرة على دفع الرواتب وتمويل الخدمات العامة للخطر، ويقرّ اقتصاديون محليون ودوليون بأن أي برنامج إصلاح فاعل يجب أن يقترن بضمانات لشفافية الإدارة المالية وممرات واضحة لصرف المساعدات، بحيث لا تُستخدم أدوات ضغط أو مصادر تمويل غير خاضعة للمساءلة. 

الضغوط على المدنيين

ممارسة الضغوط على المدنيين وعلى الفاعلين الإغاثيين تزيد من تفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن. على مدار الأشهر الأخيرة تصاعدت حملات الاحتجاز والاختطاف التعسفي لاستهداف موظفي الأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية والمدافعين عن الحقوق، وهو ما دفع منظمات حقوقية دولية ومحلية إلى إدانة هذه العمليات ونداء للإفراج الفوري عن المحتجزين، كما أدى إلى تعليق أو تقييد عمليات توزيع المساعدات في مناطق واسعة، فثمة اعتداءات وعمليات احتجاز موظفين أوقفت في بعض الأحيان شحنات غذائية وطبية، وأجبرت وكالات مثل برنامج الأغذية العالمي على إعادة تقييم مسارات التوزيع حفاظاً على سلامة طواقمها، ما انعكس فوراً على قدرة الوصول إلى المحتاجين في مناطق يسيطر عليها الحوثيون، هذه المسألة أكدتها تقارير هيومن رايتس ووتش ومنظمات حقوقية أخرى، كما وثّقت منظمات وطنية مثل "مؤسسة موتانا" انتهاكات متكررة بحق العاملين الإنسانيين.

تداعيات هذه المعطيات ليست محلية فقط؛ فتعطل تسليم المساعدات وتآكل شبكات الحماية الاجتماعية يفضيان إلى ارتفاع معدلات العوز الهشّ لدى الأسر، وإلى تزايد حالات النزوح الداخلي والاعتماد على الديون والبيع القسري للأصول، مع أثر طويل الأمد في فرص التعافي الاقتصادي والاجتماعي، وتحذر تقارير أممية وإغاثية من أن التمويل الدولي لحملات الإغاثة لا يزال دون المطلوب، ما يعني أن ملايين الأشخاص قد يُحرمون من دعم حيوي خلال الأشهر المقبلة، وأفادت وكالات أن نسبة التمويل لنداءات 2025 متدنية للغاية، ما يضع ضغطاً إضافياً على النظم الصحية وبرامج التغذية وبرامج المياه والصرف الصحي. 

الحقوق والحماية القانونية يشكِّلان بعداً أساسياً في المناقشات الدولية، فعلى صعيد القانون الدولي تُلزم المواثيق التي انضمت إليها أغلب الدول الأطراف بحقوق اقتصادية واجتماعية -وأبرزها العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية- الدول بضمان الحق في الغذاء والصحة والتعليم والعيش الكريم، ولا يجوز تقييد هذه الحريات بما يعرّض السكان للجوع أو المرض، كما تؤكد قواعد القانون الإنساني الدولي حماية المدنيين والامتناع عن استهداف البنى الأساسية والإغاثة، وتتقاطع هذه الالتزامات مع المطالب اليمنية الحالية التي تربط بين الجهود الإصلاحية الاقتصادية وضرورة وضع آليات لحماية حقوق الإنسان وضمان المساءلة عن الانتهاكات وفق المفوضية السامية لحقوق الإنسان.

ردود الفعل الدولية والمحلية

ردود الفعل الدولية والمحلية انعكست في بيانات ومناشدات متعددة. منظمات مثل هيومن رايتس ووتش وأمنستي طالبت بالإفراج الفوري عن العاملين الإنسانيين وإيقاف الملاحقات التعسفية التي تستهدف الصحفيين والنشطاء والمدافعين عن الحقوق، في حين ناشدت الأمم المتحدة والدول المانحة إلى زيادة مواردها وتسهيل آليات التحقق والرقابة لضمان وصول المساعدات إلى الأسر المحتاجة دون عراقيل، كما دعا عدد من المراقبين إلى ربط إعادة الانخراط المالي مع خطوات ملموسة نحو الشفافية وإصلاح قطاعي النفط والمالية العامة، مع تأكيد ضرورة حماية دور المجتمع المدني المحلي وتمكينه من العمل بحرية لمتابعة التوزيع وضمان المساءلة.

الخلفية التاريخية توضّح أن الأزمة الحالية في اليمن امتداد لصراع طال أمده منذ سيطرة الحوثيين على العاصمة في 2014 وتصاعد التدخلات الإقليمية من عام 2015، ما أدى إلى انهيار مؤسسات الدولة وتجزئة السلطة الاقتصادية والجغرافية، وهذا السياق يشرح لماذا بات الربط بين الاستقرار السياسي والإصلاح الاقتصادي والحماية الحقوقية شرطاً ضرورياً لأي حل مستدام؛ فبغياب قرار سياسي موحّد وسلطة تنفيذية قادرة على إدارة الموارد بشفافية لن تنجح أي خطة للتعافي دون إشراك فاعلين محليين وإقليميين ودوليين في تركيبة قابلة للتطبيق على الأرض. 

خلاصة القول إن مطالبة الحكومة الشرعية اليوم بدعم المجتمع الدولي للإصلاحات الاقتصادية وحماية حقوق الإنسان ليست مجرد مطلب سياسي، بل استراتيجية إنسانية ملحّة، وإعادة فتح قنوات النفط والموانئ بطريقة تُدار بشفافية، وتمويل برامج الصحة والتغذية، وتأمين عمل المنظمات الإنسانية وحماية موظفيها، وتمكين دور المجتمع المدني في المراقبة، كلها عناصر مترابطة لا يمكن الاستغناء عنها. من دون ذلك يظل خطر تفاقم الجوع والتفكك الاجتماعي والسياسي وارداً، وما يحدث في اليمن ليس قضية محلية فحسب بل اختبار لالتزام المجتمع الدولي بمواثيقه الإنسانية والحقوقية تجاه شعوب تعيش على حافة الانهيار. 

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية